ـ أحب للناس ما تحب لنفسك عن يزيد بن أسيد (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” أحبّ للنّاسِ ما تُحِبّ لِنَفسِكَ ”
(رواه البخاري في التأريخ والطبراني والحاكم والبيهقي)
إذا
كان مقياس المرء في تعامله مع غيره أن يحب لهم ما يحب لنفسه ، أنمحى
الشقاق الذي دوافعه الأنانية وحلت محله المحبة والتعاون والتآلف. هل يريد
أن يُطَفَفَ له المكيال؟ فلا يفعل ذلك مع غيره. هل يحب أن يهينه أحد على
ملأ من الناس؟ فلا يفعل ذلك مع غيره. هل يحب أن يساعده الناس عند حاجته
لهم من مرض أو فقر؟ كذلك يفعل مع غيره. وهكذا تكون أسس الحياة السعيدة له
ولغيره. أما من تغلبت عليه أنانيته فهو يرى العالم يعيش في غابة ما يتوفر
فيها أقل من حاجة من فيها لذلك فيكون منهجه: قد أفلح من غلب . هذا هو
التناقض الواضح في المنهج بين المؤمن الصادق وعبد الدنيا.
والإيثار
أعلى درجة من ذلك حين يؤثر المؤمن أخاه على نفسه ، قال الله تعالى في مدح
الأنصار: ” يحبّونَ مَن هاجَر إليهم ولايَجِدونَ في صُدورِهِم حاجَة مِمّا
أوتوا ويؤثِرونَ عَلى أنفُسِهِم وَلو كانَ بِهِم خصاصة ، ومَن يوقَ شُحَ
نَفسِهِ فأولئكَ هُمُ المُفلِحون ” (2). ـ
إن
للمؤمن على المؤمن حقوق وعليه أداؤها . فبالإضافة إلى الحقوق التي تبرز
عند الحاجة كتشييع الجنائز والصلاة عليها وعيادة المريض وغير ذلك ، فإن
هناك حقوقا دائمة كاحترام النفس والعرض والمال . أما الحقوق المخصوصة بناس
معينين: فحق العالم الإجلال والإحترام ، وحق الجاهل التعليم ، وحق الصديق
النصح والتسديد ، وحق الأمير الطاعة في غير معصية الله ، وحق الولد
الإعالة والتربية ، وحق الزوجين الإحسان بعض لبعض ، وحق الكبير على الصغير
الإحترام ، وحق الصغير على الكبير العطف ، وحق الفقير على الغني الصدقة
والإقراض... وهكذا . ، وهذه كلها يجب أن يقصدها دون مقابل أو توقع لجزاء
منهم . وهو يفرح لفرح أخيه ويحزن لحزنه ، قال ذو النون المصري : من أعلام
الأيمان إغتمام القلب بمصائب المسلمين ، وبذل النصح لهم متجرعا ظنونهم ،
وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهّلوه وكرهوه.
ـ 77 ـ الحب في الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” يَقولُ اللّه تعالى يومَ القِيامةِ: أينَ المُتَحابّونَ بِجلالي... اليومَ أُظللُّهُم في ظلّي يومَ لا ظِلّ إلاّ ظلّي ”
(رواه مسلم وأحمد)
وصف
الله تعالى المؤمنين بعضهم نحو بعض: ” أذِلَّة على المؤمِنينَ أعِزَة على
الكافرينَ ” (3) ، ووصف أحوالهم قبل الأيمان وبعده: ” كُنتم أِعداءا
فأصبحتُم بِنِعمتِهِ إخوانا ” (4) ، ومقياس هذه الأخوة هو المحبة بين
أعضاء الجسد الواحد فذلك دليل قوة الأمة وتمسكها بما فرض الله عليها . قال
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أحب لله وأبغض لله وعادِ في الله ووالِ
في الله فإنه لن تنال ولاية الله إلاّ بذلك ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن
كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك.
إذا
أحببت امرؤا ما في الله فأخبره أنك تحبه ، ذلك ما أخبرنا به رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم(5) وإذا أخبرك شخص أنه يحبك في الله فيستحب أن تجيبه:
أحبك الذي أحببتنا من أجله. وادع لمن تحب من إخوانك المؤمنين بظهر الغيب ،
فدعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجاب فالملائكة تجيب الداعي: ولك مثل
ذلك(6). وإفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف وسيلة لزيادة تحابب
المسلمين بعضهم مع بعض(7).ـ
إن
مجالسة من تحب من الصالحين ، إن كان مجلس نصيحة وتواص بالحق فهو مجلس
عبادة ، وزيارة الأخ لأخيه دون أن يكون بينهما مصلحة دنيوية عبادة ،
فالمؤمن مرآة أخيه يرى فيها نفسه لأن المؤمنين بعضهم لبعض نَصَحَة
والمنافقين بعضهم لبعض غششة(. وهذا ما سيتأكد في الحديث اللاحق. رأى
أحد العارفين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال له لم
تبغض فلانا (عن رجل معين) فقال لأنه يبغض أحد الرجال الصالحين ، وسماه له
، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تعلم أنه يحب الله ورسوله؟
قال نعم ، قال أتبغضه لأنه يبغض فلانا ولا تحبه لأنه يحب الله ورسوله؟
فلما أخبر الرجل بعد يقظته ندم على ما كان من بغضه للرجل الصالح. فالمؤمن
يحب المؤمنين وينظر إلى محاسنهم ويتغاضى عن مساوئهم ويعطي لحبهم لله
ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزنا كبيرا ، فإنه ما من مسلم إلاّ
وفيه خلق يحبه غيره وخلق يكرهونه ، فعلى المؤمن أن ينظر لما يحب من أخلاق
إخوانه ويتغاضى عما يكره منهم.
ـ 78 ـ النصيحة
عن
تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ”
الدّينُ النَصيحةُ ” قيل لمن يا رسول الله قال: ” للّهِ ولِرَسولِهِ
ولأئمةِ المُسلمين ولعامّتِهِم ” .
(رواه مسلم)
قال
الله تعالى : ” وذَكِّر فَإنّ الذِكرى تَنفَعُ المُؤمِنينَ ” (9) ، قال
عمر بن الخطاب: لا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا خير في قوم لا يحبون
الناصحين . وقال الحارث المحاسبي: إعلم أن من نصحك فقد أحبك ومن داهنك فقد
غشك ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك . ومن تصدى لنصح أحد فليكن أولا قد
إتصف هو بالخلق الذي ينصح الناس به وليكن نصحه برفق وتلطف دون تشهير. قال
الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا نصحت فانصح سرا لا جهرا ، فإذا نصحت
أخاك سرا فقد نصحته وزِنته (من الزين) ، وإن نصحته أمام ملأ فقد نصحته
وشنته (من الشين).ـ
وقد
يكون النصح بالتعريض والتلميح أبلغ أحيانا من التصريح ، خاصة لمن يفوقك في
السلطان أو يكبرك بالسن . مر الحسن والحسين رضي الله عنهما وهما صغيران
بشيخ لا يحسن الوضوء ، فأرادا أن يعلماه الوضوء فتقدم منه أحدهما وقال:
إختصمنا أنا وأخي هذا في أينا أحسن وضوءا ونريد أن تكون بيننا حكما ، فلما
توضآ أمامه عرف خطأه فشكر لهما صنيعهما . وإذا عرفت من شخص عنادا بأن يفعل
عكس ما تنصحه به فعليك أن ترفق به وتنصحه بعكس ما تراه لكي يصيب الحق في
مخالفته لك . وذلك هو أحد الأسس التي عرفت حديثا في تعليم الكبار. فالغاية
من النصح تقويم الإعوجاج وليس العجب بالنفس والتباهي بأنك أفضل ممن تنصحه
أو أعلم منه.
والنصح
لله هو أن تأمر بما يأمر الله وتنفذ أوامره في خاصة نفسك ، والنصح لرسوله
أن تبلغ ما أمر به أمته مما أوتيت من علم وتكون أمينا في الدفاع عن سنته.
والنصح لأئمة المسلمين بإرشادهم لما فيه خير الناس ومساعدتهم في تنفيذ ذلك
والدعاء لهم . قال عبد الله بن المبارك لو علمت أن لي دعوة مستجابة واحدة
لجعلتها لأئمة المسلمين لأن بصلاحهم يصلح ناس كثير وبفسادهم يهلك ناس
كثير.أما النصح لعامة المسلمين فيجب البدء بالأقرب فالأقرب . وقد وصف الله
تعالى الإنسان بالخسران إلا الذين يتواصون بالحق وبالصبر: ” إن الإنسانَ
لَفي خُسر. إلاّ الّذينَ آمَنوا وعمِلوا الصالحاتِ وتواصوا بالحقّ وتواصوا
بالصَبرِ ” (10).